يُحكى أن ملكًا ظالمًا حكم قرية بعيدة يهنأ أهلها بوافر الحب والرخاء تحت فضاء يملأه الضياء وفوق أرض طيبة خضراء وما أن طال حكم الملك وتكالب من حوله الأعوان والمنتفعون
إلا وأخذ يتجبر على الفقراء والمساكين وشرع الأعوان يقيمون أسوارًا ضخمة حول بيته الكبير وانشغلوا مع غيرهم من التابعين بنهب أراض القرية وما تطوله أيديهم من الثمار .تعالت أصوات شيوخ القرية معارضين ما يشهدونه من ظلم سافر فكان أعوان الملك متأهبين حاسمين فى التصدى لهم بأن صكوا المساجد على من بداخلها وانطلقوا يكممون أفواه أهل القرية، وأمرهم الملك بإقامة مزرعة لتربية الكلاب المفترسة وتدريبها .
ومن جهة أخرى بدأ الملك وأعوانه ومن جلبوهم بالسخرة فى بناء جبل عظيم من الحجارة الضخمة الداكنة، وخلال وقت قصير وبجهد ليس باليسير بلغ الجبل عنان السماء ، وتثلجت قمته التى ناطحت السحاب ، وآوى لجحوره أشرس اللصوص والوحوش ، وتبدلت أحوال القرية المزدهرة فتيبست خضرتها ، وغابت الشمس عن أرضها القاحلة ، وغدا الهواء ركيكًا فاسدًا ، عدا بيت الملك الذى شق لنفسه سبيلاً إلى النور من داخل الجبل .
ونضجت الكلاب المتوحشة وانتشرت فى ربوع القرية ، وازدادت مهارتها وأمست تهاجم كل من يحمل فأسًا من ابناء الفلاحين ، وتداهم كل منزل تضيئه الشموع ، وآثر شيوخ القرية الصمت حفظًا لمساجدهم من دناسة الكلاب التى ظلت تترقبهم بعيونها الجهنمية فيما جنح بعض السكان لمؤازرة الكلاب.
طال الظلم والجبروت وأتى على الجميع فثار أبناء الفلاحين ، وتصدوا للكلاب التى هاجمتهم وسرعان ما هزموها دون مساعدة فلجأت شراذم الكلاب إلى الجبل العظيم فيما تقدم الثوار نحو بيت الملك المنيع ، وتحصن الآباء ببيوتهم ، والشيوخ بمساجدهم .
سرى الجزع بقلوب الملك وأعوانه فهدموا الجبل وما حمل من الشرور ، وانتشر لصوصه فى أنحاء القرية يروعون أبنائها فيما عادت الشمس لتشرق من جديد ، وهنا أقبل العسكر من أطراف القرية فطردوا الكلاب واللصوص والوحوش ، وبسطوا قوتهم فوق أراضى القرية وسرعان ما عزلوا الملك وأسروا حاشيته ، وتعالت الزغاريد وانتشرت الأفراح بعد هدم الجبل بأكمله .
اجتمع فلاحو القرية للتشاور حول استرداد أراضيهم المنهوبة ، وحين تأكد شيوخ القرية من خلوها من الكلاب شمروا سواعدهم واندفعوا مطالبين بنصيب من تلك الأراضى بغية بناء مساجد وبيوت للخير والإحسان وهو ما لاقى معارضة من فقراء القرية بيد أن الشيوخ لم يأبهوا واستولوا على بعض الأراضى وحذروهم من معارضتهم التى تعنى معارضة لله.
ظل أهل القرية يرقبونهم ثم أمسكوا بالفئوس لزراعة أرضهم بلا أدنى رهبة أو خوف وهم يتأملون الشمس الجديدة التى ستظل مشرقة إلى الأبد فهى أقوى من كل ظلام.
0 التعليقات:
إرسال تعليق